أقسام الوصول السريع (مربع البحث)

الحكم التحكيمي

من اعداد : طلبة ماستر المهن القانونية والقضائية بتطوان ، الفوج الثاني.





المقدمة:

تعرف الطرق البديلة لفض المنازعات بأنها تلك الوسائل والآليات التي يلجأ إليها الأطراف المتنازعة من أجل التوصل إلى حل لخلافاتهم بعيدا عن الطريق العادي لفض المنازعات، ألا وهو التقاضي أمام المحاكم التي تنشئها الدولة وتختار قضاتها وتضع القواعد الواجبة التطبيق أمامها، هذه الأخيرة وإن كانت تتوفر على ضمانات قوية كفيلة بتحقيق سلامة العدالة التي تؤديها، فإنها بالمقابل تتسم بالبطء وطول الإجراءات والمساطر وذلك عكس ما تتسم به الطريقة الأولى من مواصفات تجعلها تتجاوز مثالب القضاء العادي.

من بين هذه الطرق البديلة لفض المنازعات، نجد التحكيم الذي نظم المشرع المغربي قواعده بموجب قانون المسطرة المدنية من الفصول 306 إلى 327_70، وعرفه بكونه حل نزاع من لدن هيئة تحكيمية تتلقى من الأطراف مهمة الفصل في النزاع بناء على اتفاق     التحكيم[1]

وبتصفحنا للمقتضيات الواردة في الفصول المنظمة للتحكيم، نجد بالإضافة إلى اتفاق التحكيم والهيئة التحكيمية، الحكم ألتحكيمي- موضوع عرضنا هذا - الذي خصه المشرع بالفصول من 327_22 إلى 327_38 من نفس القانون، الذي يمكن تعريفه بكونه ذلك القرار الذي يحسم في النزاع بين الأطراف، وهو بذلك يعتبر ثمرة اتفاق الأطراف على حل النزاع إجرائيا وموضوعيا وفقا للقواعد التي يختارونها.[2]

وتحظى دراسة موضوع الحكم ألتحكيمي بأهمية بالغة من كافة الجوانب، النظرية منها والتطبيقية، إذ لا مناص من التعرف على كافة الضمانات التي يجب أن تتوفر فيه من أجل صحته ومدى حجيته وقوته التنفيذية .

وبالرغم من التنظيم المحكم الذي أولاه المشرع بالتحكيم، إلا أنه يطرح إشكالية جوهرية تتمثل في هل كان موفقا في هذا التنظيم؟ وهل استطاع معه تجاوز الإعاقات التي من الممكن أن تعترض سبيل نجاحه؟.

 

وهذه الإشكالية تتفرع عنها  مجموعة من التساؤلات أبرزها: ما هي طبيعة الحكم ألتحكيمي وأنواعه؟ وما هي شروط صحته وآثاره؟ ثم ما هي الإجراءات والشكليات التي يجب توفرها من أجل اكتساب حجيته القانونية؟ وما مدى قوته التنفيذية؟

 

للإجابة على هذه الإشكالات وأخرى، سوف نتبع تصميما ثنائيا مكون من مطلبين أساسيين على الشكل التالي:

المطلب الأول: طبيعة الحكم ألتحكيمي وأنواعه وشروط صحته وآثاره.

المطلب الثاني: حجية حكم المحكمين وقوته التنفيذية.

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

v         المطلب الأول:طبيعة الحكم التحكيمي وأنواعه وشروط صحته واثاره.

 

 

لم يضع المشرع المغربي تعريفا محددا للحكم التحكيمي، وأمام هذا الفراغ التشريعي حاول الفقه وضع تعريف محدد للحكم التحكيمي وانقسموا في ذلك إلى اتجاهين، أحدهما يوسع من نطاق الحكم التحكيمي حيث يجعله يشمل على الأحكام التي تفصل في المنازعة على نحو كلي وكذلك التي تفصل في أحد عناصر المنازعة بشكل جزئي، والجانب الآخر من الفقه يرى أن الحكم التحكيمي هو كل قرار صادر عن المحكم ويفصل في طلب محدد في موضوع النزاع ويؤدي إلى إنهائه بشكل كلي أو جزئي.

وللإحاطة بهذا المطلب تطرقنا إلى طبيعة الحكم التحكيمي وأنواعه في (الفقرة الأولى) وشروط صحة الحكم التحكيمي وآثاره في (الفقرة الثانية).

الفقرة الأولى: طبيعة الحكم التحكيمي وأنواعه.

 

 

تقتضي دراسة هذه الفقرة التعرض أولا لطبيعة الحكم التحكيمي، ثم إلى أنواعه (ثانيا).

أولا: طبيعة الحكم التحكيمي

 

 

اختلف الفقهاء في تحديد طبيعة الحكم التحكيمي وانقسموا إلى اتجاهات متباينة:

1- الطبيعة القضائية للحكم التحكيمي: يرى أنصار هذا الاتجاه الذي يؤيد الطبيعة القضائية للحكم التحكيمي، أن كون اتفاق الأطراف على التحكيم لا يعني تنازلهم عن الدعوى وإنما يتنازلون فقط عن الالتجاء إلى القضاء الرسمي لفائدة قضاء يحددون إجراءاته ومسطرته بمحض إرادتهم.[3]

 

كما أن الحكم التحكيمي شأنه في ذلك شأن الحكم القضائي، فهو حكم ولو أن الأول تحكيمي بينما الثاني قضائي، ومن تم فإن الفكرة الجامعة بين الإثنين ليست هي فكرة الحكم القضائي على نحو ما ذهب إليه الرأي الغالب في الفقه الفرنسي، ولا هي فكرة الحكم التحكيمي على نحو ما ذهبت إليه المدرسة التاريخية التقليدية التي اعتبرت أن التحكيم أصل القضاء، وإنما هي فكرة "الحكم".[4]

 

2-         الطبيعة الاتفاقية للحكم التحكيمي: هذا الاتجاه ينفي الطبيعة القضائية للحكم التحكيمي ويرى أنه ذو طبيعة اتفاقية، وذلك لأن التحكيم بصفة عامة من خلق ارادة الأطراف واختيارهم، فهم الذين يعينون المحكمين ويحددون سلطاتهم واختصاصاتهم وأجل إصدار الحكم.[5]

واتفاق أطراف النزاع على اللجوء إلى التحكيم يتضمن تنازلا ضمنيا عن اللجوء إلى القضاء وهذا الاتفاق يخول المحكم سلطة مصدرها ارادة الأطراف، وهذه السلطة لا يمكن أن تكون قضائية لأنها تقوم على ارادة الأطراف، فالتحكيم يتطلب وجود اتفاق بين الخصوم على اللجوء إليه، بينما القضاء حق عام يستعمله الخصم دون الحصول على موافقة من خصمه.[6]

 

3-         الطبيعة المزدوجة للحكم التحكيمي: يرى هذا الاتجاه أن الحكم التحكيمي يجمع بين الطبيعتين التعاقدية والقضائية، فالطبيعة العقدية تجد أساسها في اتفاق الأطراف على اللجوء إلى التحكيم للفصل في النزاع القائم بينهم، وهذا يتطلب احترام هذا الاتفاق انطلاقا من احترام مبدأ سلطان الارادة،[7] والطبيعة القضائية تجد أساسها في أنه لا مراء في تدخل الدولة - المحكمة – لإعطائه القوة التنفيذية وبالتالي نقله إلى الطبيعة القضائية.[8]

 

أما عن موقف المشرع المغربي فنلاحظ أن موقفه كان متباينا إذ أن قراءة الفصول 314-316-318 ومن 320 إلى 326 من قانون المسطرة المدنية توحي بأخذ المشرع المغربي بالطبيعة القضائية لحكم المحكمين، أما عند قراءة الفصول 311-313-319 فنلاحظ أن المشرع قد أخذ بالطبيعة الاتفاقية لحكم المحكمين.

ولم يخرج المشرع في قانون المسطرة المدنية عن هذا التباين، إذ أخذ بكل من النظرية القضائية والاتفاقية أو التعاقدية للحكم التحكيمي في فصول متفرقة منه، فقد أخذ بالطبيعة القضائية في الفصل 23-327 من خلال تغليب مجموعة من الشروط يتسم بها الحكم القضائي، والطبيعة التعاقدية في الفصل 10-327.[9]

ثانيا: أنواع الحكم التحكيمي

 

 

ينقسم الحكم التحكيمي إلى عدة أنواع والتي سنتولى تبيانها كما يلي:

 

1-         الأحكام التحكيمية الصادرة لغاية الحكم النهائي:

تتولى الهيئة التحكيمية قبل البدء في اجراءات التحكيم النظر في صحة وحدود اختصاصاتها أو في صحة اتفاق التحكيم بمقتضى حكم تمهيدي، كما تتولى اصدار أحكام جزئية أثناى بدء مسطرة التحكيم، وتنتهي بصدور الحكم النهائي.

الحكم التحكيمي التمهيدي: يعتبر الحكم التحكيمي التمهيدي الحكم الصادر عن الهيئة التحكيمية قبل البدء في مسطرة التحكيم، ويهدف إلى البث في صحة اتفاق التحكيم أو اختصاص الهيئة، وهو بمثابة تمهيد لبدء اجراءات التحكيم.

ويتم إصدار الحكم التحكيمي إما بشكل تلقائي من طرف هيئة التحكيم أو بناء على طلب يتقدم به أحد أطراف اتفاق التحكيم، والحكم التمهيدي لا يقبل الطعن إلا وفق شكليات وشروط الطعن في الحكم التحكيمي النهائي الصادر في موضوع النزاع، ولم ينص المشرع المغربي على المسطرة التي يجب على هيئة التحكيم اتباعها لاصدار الحكم التحكيمي التمهيدي، ونرى أن هيئة التحكيم ملزمة باتباع ذات الإجراءات المنصوص عليها في الفصل 22-327، هذا ويمكن للحكم التحكيمي التمهيدي أن يضع حدا لمهمة الهيئة التحكيمية في حالة الحكم ببطلان اتفاق التحكيم.[10]

الحكم التحكيمي الجزئي:  يوجه هذا الحكم لأحد أطراف النزاع ويهدف إلى اتخاذ التدابير المؤقتة أو التحفظية، ويصدر عن الهيئة التحكيمية أثناء سير مسطرة التحكيم ويكون باتفاق الأطراف مسبقا على تخويل الهيئة مثل هذا الحق وذلك حسب الفصل 15-327 الذي ينص على أنه "يجوز للهيئة التحكيمية، ما لم يتم الاتفاق على خلاف ذلك، أن تتخذ بطلب من أحد الأطراف كل تدبير مؤقت أو تحفظي تراه لازما في حدود مهمتها".

الحكم التحكيمي النهائي: يصدر الحكم التحكيمي النهائي عن الهيئة التحكيمية بأغلبية الأصوات في مداولة سرية، ويتضمن مجموعة من الشروط الشكلية والموضوعية، وبصدوره تنتهي مهمة الهيئة التحكيمية، والحكم النهائي بمجرد صدوره يكتسب حجية الشيء المقضي به في النزاع الذي صدر فيه، ولا يقبل الحكم النهائي أي طريق من طرق الطعن باستثناء ما أورده المشرع من حالات في الفصول 34-327، 35-327 و 36-327 من قانون المسطرة المدنية.

2-         الأحكام التحكيمية الاحقة للحكم النهائي:

يضع الحكم التحكيمي النهائي حدا للنزاع وينهي المهمة التحكيمية ولا يمكن إصدار أي حكم بعده، إلا الحكم الذي يرمي إلى تفسير الغموض، أو الحكم الذي يهدف إلى تصحيح الأخطاء المادية الموجودة في الصيغة النهائية للحكم الفاصل للنزاع، أو حكم يتم إصداره بصدد إغفال طلب من طلبات الأطراف أثناء سير إجراءات التحكيم.

الحكم التحكيمي التفسيري:  يهدف إلى تفسير الغموض الذي يكتنف جزء معين من الحكم التحكيمي النهائي أو تفسير بعض أجزائه التي يشوبها خلط، وعليه فهذا النوع من الأحكام ليس إلا تبيان لما هو مبهم في جزء من الحكم التحكيمي وتوضيح المقصود منه، وهذا ما يتضح من خلال الفصل 28-327 من قانون المسطرة المدنية.[11]

الحكم التحكيمي التصحيحي: قد يقع من المحكم وهو يكتب حكم التحكيم سهو أو خطأ مادي، ويصدر الحكم متضمنا هذا السهو أو الخطأ، وحينئذ تثور مسألة تصحيح الحكم ليعبر عن دلالته الحقيقية، ويتم تصحيح هذا الخطأ بحكم يصدر من الهيئة إما تلقائيا داخل أجل 30 يوم من النطق بالحكم النهائي أو بناء على طلب من أحد الأفراد يتقدم به في أجل 30 يوم من تبليغ الحكم.

الحكم التحكيمي التكميلي: يصدر بعد إصدار الحكم التحكيمي النهائي للبث في طلب تم إغفاله أثناء النظر في النزاع، ويتم إصداره بناء على طلب أحد الأطراف، ويجب أن تكون النقطة المراد إصدار حكم إضافي بشأنها قد تم عرضها ومناقشتها  أمام نفس هيئة التحكيم ويقدم الطلب داخل أجل 30 يوما من تبليغ الحكم.

الفقرة الثانية : شروط الحكم ألتحكيمي و أثاره

 

أولا : شروط الحكم ألتحكيمي :

 

ينص الفصل 327-23 من ق م م على أنه: " يصدر ألتحكيمي كتابة و يجب أن يشار فيه إلى اتفاق التحكيم و أن يتضمن عرضا موجزا للوقائع و ادعاءات الأطراف و دفوعاتهم على التوالي و المستندات و بيان النقط التي تم الفصل فيها بمقتضى الحكم ألتحكيمي و كذا منطوق لما قضى به.

 

يجب أن يكون الحكم ألتحكيمي معللا ما لم يتم اتفاق الأطراف على خلاف دلك في اتفاق التحكيم، أو كان القانون الواجب التطبيق على مسطرة التحكيم لا يشترط تعليل الحكم.

أما الحكم المتعلق بنزاع يكون أحد الأشخاص الخاضعين للقانون العام طرفا فيه فيجب أن يكون دائما معللا"

 

وينص الفصل 24-327 من نفس القانون كذلك على أنه " يجب أن يتضمن الحكم ألتحكيمي بيان ما يلي:


1-  أسماء المحكمين الذين أصدروه وجنسياتهم وصفاتهم وعناوينهم،


2-  تاريخ صدوره،


3- مكان صدوره،


4- الأسماء العائلية والشخصية للأطراف وعنوانهم التجاري وكذا موطنهم أو مقرهم الاجتماعي...
يتعين أن يتضمن الحكم ألتحكيمي تحديد أتعاب المحكمين ونفقات التحكيم وكيفية توزيعها بين الأطراف...".

انطلاقا من هاذين الفصلين يتبين أن من أجل أن يصير الحكم ألتحكيمي نهائي، و حائز لقوة الشيء المقضي به، و منهيا للنزاع، و قابلا للتنفيذ فلا بدا أن يحترم بعض الشروط سواء على المستوى الشكلي أو الموضوعي.

على مستوى الشكل :

تشترط جل التشريعات الوطنية شكليات محددة في الحكم ألتحكيمي ، تلزم الهيئة التحكيمية باحترامها من بينها [12]

 

 

 

أ‌-             الكتابة:

استلزمت جل التشريعات العربية أن يكون الحكم ألتحكيمي عملا مكتوبا، بوصفه عملا قضائيا يمارسه المحكمون، فهو يعتبر حكما حقيقيا في النزاع تتوافر فيه كل عناصر العمل القضائي.

و عليه تعتبر الكتابة شرط ضروري لوجود الحكم التحكيمي لا لإثباته، فصدوره شفاهة لا يستقيم به وصف حكم التحكيم مع ما يتضمنه ذلك من أثار، ولا يكتسب هذا الحكم حجية الشيء المقضي به ولا يكون واجب النفاذ، لأنه يلزم تقديم أصل الحكم أو صورة مؤقتة منه للحصول على أمر التنفيذ وهو ما لا يتسنى إلا إذا كان الحكم ألتحكيمي مكتوبا.


وقد أحسن المشرع صنعا حينما اشترط الكتابة في الحكم ألتحكيمي لأن من شأنها أن تضع حلا لمجموعة من المشاكل.


فلو أن الحكم صدر دون الشكلية المطلوبة لكان ذلك سببا في تعطيل الدور الأساسي الذي يمكن أن يلعبه التحكيم كوسيلة لحل المنازعات بين الأفراد.

 


ب- ذكر أطراف النزاع :

بما أن حجية المقررات التحكيمية تكون في مواجهة أطراف اتفاق التحكيم أساسا فإنه يجب أن يتضمن الحكم  ألتحكيمي[13] :

أ- الأسماء العائلية والشخصية للأطراف[14] وأن اقتضى الحال المحامين،والغاية من ذلك، أن تتمكن المحكمة من مراقبة صدور الحكم في مواجهة الأطراف.[15]

 

 

ج- تاريخ ومكان صدور الحكم:

من أبرز الشكليات التي يلزم أن يتضمنها الحكم ألتحكيمي، هو تاريخ صدور هذا الحكم وذلك راجع إلى إمكانية إبطال الحكم عند عدم احترام الآجال المحددة في القانون واتفاق التحكيم، خاصة وأن مهمة الهيئة التحكيمية محددة في زمن معين.[16]

 

أما بالنسبة لذكر المكان، فيتجلى في تجديد المحكمة المختصة التي يمكن الطعن أمامها أو المحكمة المختصة بمنح الصيغة التنفيذية[17].

د/ اللغة:

 

لم يشترط المشرع المغربي اللغة العربية كما هو الشأن بالنسبة للأحكام الصادرة عن المحاكم الرسمية، فبعد تطبيق قانون المغربة والتوحيد، الذي يشترط في مادته الخامسة أن تكون لغة المداولات والمرافعات والأحكام في المحاكم المغربية باللغة العربية.

وبالتالي فلا مانع من صدور الحكم ألتحكيمي بلغة غير العربية، على أساس أنه قد يصدر هذا الحكم خارج المغرب، أو من هيئة أجنبية من جنسية أخرى تستعمل لغة غير العربية، وهذا ما يستشف من الفصل 327-31 من ق م م بحيث أنه عند طلب إعطاء الصيغة التنفيذية للحكم فلا بد من ترجمته إلى العربية إلى جانب أتفاق التحكيم.[18]

و/ أسماء المحكمين.

 

تكمن أهمية تضمين الحكم ألتحكيمي لأسماء المحكمين بالإضافة إلى جنسيتهم وصفاتهم وجنسياتهم، في معرفة مدى صدور الحكم ألتحكيمي من نفس الهيئة التي اختارها الأطراف للنظر في النزاع وكذلك من صحة تشكلها.[19]

 

 

ه/ توقيع الحكم:

من أجل إعطاء حجية للحكم ألتحكيمي، يجب أن يكون موقعا، وهي حجية على من صدر عنهم، وفي حالة امتناع الأقلية عن التوقيع، يشار إلى ذلك في الحكم ولا يكون لذلك الرفض أي أثر بخصوص صحة الحكم.[20]

2- على مستوى الموضوع:

من أجل ضمان صحة الحكم ألتحكيمي وعدم تعرضه للبطلان، نجد جل التشريعات ومن بينها التشريع المغربي يشترط مجموعة من الشروط الموضوعية المتمثلة في:

أ‌-             الحكم وفق طلبات الأطراف:

نص الفصل 36-327 من ق م م أن من أسباب الطعن بالبطلان في الحكم ألتحكيمي، عدم التقيد بالمهمة المسندة إلى الهيئة التحكيمية، أو البث في مسائل لا يشملها التحكيم أو تجاوزت حدود اتفاق التحكيم، وهو الأمر الذي يفهم منه أن الحكم ألتحكيمي يجب أن يحدد فيه طلبات الأطراف بشكل موجز وواضح. من أجل مراقبة مدى التزام المحكمين بالنظر في القضايا المطروحة عليهم.[21]

ب‌-        تعليل القرار ألتحكيمي.

يقصد من تعليل الأحكام سواء القضائية أو التحكيمية بيان الأدلة والوقائع والحجج القانونية التي أسس عليها القاضي حكمه[22]، وذلك من أجل توقيع الرقابة على العمل القضائي والتحقق من حسن استجابته لوقائع النزاع.[23]

وبالتالي فإن المشرع المغربي أوجب تعليل الأحكام التحكيمية في حالة إذا لم يتفق الأطراف على عدم تعليل الحكم في اتفاق التحكيم، أو كان القانون الواجب التطبيق على مسطرة التحكيم لا يشترط تعليل الحكم.[24]

ولكن بالرجوع إلى الفصل 327-25 من نفي القانون نجده أوجب التعليل عندما يكون أحد أطراف النزاع خاضعا للقانون العام.

ج- منطوق الحكم.

يقصد بمنطوق الحكم ألتحكيمي القرار الذي توصلت إليه الهيئة التحكيمية والذي يتعين عليه أن يكون صريحا وليس فيه أي لبس أو غموض، وأن تكون عبارته دالة عليه وبريئة من آفة التناقض الذي يمنع فهمه ويعوق تنفيذه[25].

 

أما فيما يخص مسألة صدور الحكم باسم سيادة الدولة، فقد اختلف فيه الفقهاء، فمنهم من يقول بوجوب صدور هذا الحكم باسم سيادة الدولة، على أساس أن التحكيم وإن كان وليد إرادة الخصوم، فإنه لا يؤثر في الصفة الإلزامية للحكم الصادر فيه.[26]

ويرى جانب آخر من الفقه أن الحكم ألتحكيمي لا يصدر باسم سيادة الدولة لأنه يصدر من هيئة مستقلة، وهو الرأي الذي نتفق معه على أساس أنه إذا كان الأطراف قد اتفقوا على عرض النزاع أمام هيئة تحكيمية، فقد منحوا الاختصاص لهذه الهيئة للبث في النزاع . لكن بالرغم من ذلك فإن المحكمين لا يكتسبون من خلال هذا الاختصاص الصفة القضائية. وهذا يؤكده قرار[27] للمجلس الأعلى سابقا، محكمة النقض حاليا، حيث جاء في الحيثيات "أن المحكمين مجرد خبراء يمارسون مهنهم الحرة وليسوا منصبين لتولي مهام القضاء حتى يكون لهم أن يحكموا باسم جلالة الملك."

 وفي الفصول المنظمة للتحكيم، لم يتعرض المشرع المغربي  لهذه المسألة، وبالتالي هل يعتبر سهوا منه؟ أم أن هناك اعتبار آخر؟

نجد الاجتهاد القضائي اعتبرها مسألة غير ذي أهمية، رغم عدم التنصيص عليها وليس بثغرة. تشكل البطلان، حيث جاء في قرار لمحكمة الاستئناف بالقنيطرة على أنه "صدور حكم المحكمين باسم جلالة الملك ليس شرطا كما هو الشكل بالنسبة للأحكام، المنصوص عليها في الفصول 50.345.375من قانون المسطرة المدنية وعدم اشتراطه ليس بثغرة في القانون، وإنما هو قصد صريح للمشرع لأن المحكم لا يصدر حكمه نيابة عن جلالة الملك شأنه في ذلك شأن القاضي المنصب للقضاء بالنيابة عن الإمام.[28]

هذا ويجب الإشارة إلى أن مدة صدور الحكم ألتحكيمي، فإذا لم يحدد اتفاق التحكيم أجلا لصدوره، فإن مهمة المحكمين تنتهي بعد مضي ستة أشهر على اليوم الذي قبل فيه آخر محكم مهمته[29] كما يمكن تمديد الأجل ألاتفاقي أو القانوني لنفس المدة إما باتفاق الأطراف وإما من لدن رئيس المحكمة بناءا على طلب من أحد الأطراف، أو من طرف الهيئة التحكيمية.

وفي حالة عدم صدور الحكم ألتحكيمي خلال الميعاد المشار إليه في الفصل327-25 من نفس القانون، يجوز لكل من طرفي النزاع أن يرفع أمرا إلى رئيس المحكمة لإنهاء إجراءات التحكيم، على أن للطرفين رفع دعوى إلى المحكمة للنظر في النزاع.

وتجب الإشارة إلى أن المشرع المغربي من خلال الفصل 327-27 من نفس القانون، لم يحدد طريقة لتسليم المقرر ألتحكيمي حيث نص على أنه تسلم هيئة التحكيم إلى كل من الطرفين نسخة من الحكم ألتحكيمي خلال أجل سبعة أيام من تاريخ صدوره. ومادام أن المشرع سكت عن طريقه تسليم الحكم ألتحكيمي، فإنه يتم الرجوع إلى الطرق المحددة في قانون المسطرة المدنية المحددة في الفصل 37.

ثانيا:آثار الحكم ألتحكيمي.

 

 

يترتب عن الحكم ألتحكيمي انتهاء ولاية الهيئة التحكيمية للنظر في الخصومة باستثناء حالة تفسير الحكم التحكيمي أو تصحيح الأخطاء المادية فيه، أو البت في طلب وقع إغفاله.

ويكتسب الحكم ألتحكيمي حجية الشيء المقضي بمجرد صدوره. ولا يشترط لاكتساب هذه الحجية أن يقع النطق بالحكم ألتحكيمي في جلسة عمومية دليلا على صدوره، ما لم يتفق الأطراف على التقييد بالشكليات التي تصدر بها الأحكام التي ينطق بها قضاء الدولة.

ويمكن تاريخ الحكم ألتحكيمي من جهة ثانية من معرفة تاريخ اكتسابه للحجية التي تختلف عن تاريخ اكتسابه صفة السند التنفيذي القابل للتنفيذ الجبري إن توفرت شروطه القانونية.

وقد جاء في قرار الرئيس الأول لمحكمة الاستئناف التجارية بالدار البيضاء ما يلي: "وحيث أن حكم المحكمين لا يقبل الطعن في أية حالة تطبيقا للفصل 319 من قانون المسطرة المدنية وتأسيسا عليه فإن الحكم يكون حائزا لحجية الأمر المقضي به من لحظة صدوره غير أنه لا يكون قابلا للتنفيذ جبرا ضد المحكوم عليه إلا بتدخل من القضاء بمنحه الصيغة التنفيذية بأمر يصدره رئيس المحكمة الابتدائية أو الرئيس الأول لمحكمة الاستئناف عند الاقتضاء طبقا للفصل322 من قانون المسطرة المدنية، وأن الأمر الذي يصدره رئيس المحكمة الابتدائية يقبل الاستئناف طبقا للفقرة الثانية من الفصل322 من نفس القانون"[30].

ويترتب عن الحكم ألتحكيمي انتهاء مهمة الهيئة التحكيمية بشأن النزاع الذي وقع الفصل فيه. وتجد هذه القاعدة أساسها في العمل القضائي قبل التكريس التشريعي.

جاء في قرار محكمة الاستئناف التجارية بالدار البيضاء ما يلي:

"إن النزاع مطروح حول رفع الحجز الذي أوقعته المستأنف عليها بمناسبة صدور مقرر تحكيمي ضد الطاعنة وبالتالي فإن النقاش سيحصر حول توافر أسباب رفع الحجز دون الخوض في باقي الأسباب الأخرى كما هو الحال بالنسبة لخرق النظام العام وحقوق الدفاع والتي تثار بمناسبة تخويل المقرر ألتحكيمي الصيغة التنفيذية.

و إنه بالنسبة لإيقاع الحجز يكفي أن يكون الدين حسب مقتضيات الفصل 488 من ق م م ثابتا

وحيث أن ثبوت الدين يختلف عن اكتساب الحكم أو المقرر حجية الشيء المضي به لأن ثبوت الدين يخول فقط إيقاع الحجز والثاني يخول التنفيذ.

-               إن الثابت قانونا أن المقرر ألتحكيمي يقوم مقام الحكم بين أطرافه وهو بذلك تكون له حجية في مواجهتهما بما أثبته من وقائع وأحكام.

-               إنه في غياب إدلاء الطاعنة بما يفيد أن المقرر ألتحكيمي تقرر إيقاف تنفيذه أو بطلانه أو أنه لم يخول الصيغة التنفيذية يكون مبررات رفع الحجز غير قائمة ويتعين تبعا لذلك رد الاستئناف وتأييد الأمر المستأنف".[31]

ولا تمنع قاعدة حجية الحكم ألتحكيمي الهيئة التحكيمية لللجوء إلى تفسير أو تأويل أو تكملة الحكم ألتحكيمي بصريح نص الفصل 28-327 من قانون المسطرة المدنية.

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

v         المطلب الثاني: حجية الحكم ألتحكيمي وقوته التنفيذية.

 

 

بعد أن يصدر حكم التحكيم مستجمعا لجميع شروطه المنصوص عليها قانونا، متعه المشرع المغربي بحجية تجعله قابلا للتنفيذ بقوة القانون (الفقرة الأولى)، لكن المشرع في بعض الحالات اشترط لتنفيذ حكم المحكمين تذييله بالصيغة التنفيذية (الفقرة الثانية).

الفقرة الأولى : حجية الحكم ألتحكيمي.

 

 

تعددت الآراء واختلفت حول مسألة حجية الحكم ألتحكيمي، إلا أن أغلب المواقف ذهبت إلى أن الأحكام التحكيمية تحوز قوة الشيء المقضي به بمجرد صدورها. فيكون لمن صدر لصالحه الحكم التمسك بما أثبته له من حقوق ومزايا باعتبار أن ما خلص إليه هو عنوان الحقيقة شأنه في ذلك شأن أحكام القضاء[32].

وجدير بالذكر هنا، أن التحكيم قضاء خاص وكذا ارتباطه بعقد فلا يجب إغفال أن المشرع اعترف للمحكمين بصلاحية الفصل في نزاعات الأفراد ونظم التحكيم واعتبر ما يصدره المحكمون من أحكام له صفة الأحكام القضائية، وأنه يجب على المحكمين تطيق نفس الإجراءات المسطرية والقواعد الجوهرية وكأن النزاع عرض على المحكمة المختصة.

وهكذا إذا استجمع الحكم ألتحكيمي كل شروط صحته ومقوماته المنصوص عليها قانونا، أصبح متمتعا بحجية قانونية قاطعة ولو كان قابلا للطعن وقبل شموله بأمر التنفيذ لأنه لا يحوز قوة الشيء المقضي به[33]، شأنه في ذلك شأن الحكم القضائي الذي يتمتع بقوة ملزمة ذاتية بمجرد ما يصدر عن هيئة التحكيم.

ويرى الفقيه الفرنسي"روني موريل " أن حكم المحكمين يكتسب الحجة منذ صدوره، ولا يمكن لأحد الأطراف أن يرفع النزاع  من جديد أمام القضاء ولو أن حكم المحكمين لم يحصل بعد على الصيغة التنفيذية.

وهذا ما تؤكده لنا  مقتضيات الفصل 26-327 من قانون 05/08 المتعلق بالتحكيم، حيث ينص على أنه " يكتسب الحكم ألتحكيمي بمجرد صدوره حجية الشيء المقضي به بخصوص النزاع الذي تم الفصل فيه ... ". أي أن الحكم ألتحكيمي تعطى له الحجية منذ صدوره، مما يعني أن هذه الحجية لا تتوقف على إيداع الحكم ولا على استصدار الأمر بالتنفيذ.

وقد أثارت حجية الحكم ألتحكيمي نقاشا حول مدى اعتبار الحكم ألتحكيمي ورقة رسمية أم عرفية، ولو أن غالبية الفقهاء يذهبون إلى أنه يتميز بالرسمية[34].

وبحثا عن الإجابة، فإنه برجوعنا إلى الفصول المنظمة للتحكيم فإننا لا نجد نصا صريحا يحدد لنا بوضوح هل هو ورقة رسمية أم عرفية.

لكن بعودتنا إلى القواعد العامة في ق ل ع فإنه باستقرائنا لبعض النصوص كالفصلين 418 و 419[35]من قلع، يتبين لنا أن حكم المحكمين ورقة رسمية.

فالفصل 418 ينص على أن:

"الورقة الرسمية هي التي يتلقاها الموظفون العموميون الذين لهم صلاحية التوثيق في مكان تحرير العقد ..

وتكون رسمية أيضا :

1.          الأوراق المخاطب عليها من القضاة في محاكمهم

2.          الأحكام الصادرة من المحاكم المغربية والأجنبية، بمعنى أن هذه الأحكام يمكنها حتى قبل صيرورتها واجبة التنفيذ أن تكون حجة على الوقائع التي تثبتها ".

وهذا خلاف المشرع المصري الذي كان صريحا، إذ نص في قانون التحكيم لسنة 1994 على أن حكم التحكيم ورقة رسمية، لأنه ليس بالضرورة أن تصدر هذه الورقة من موظف عمومي وإنما يكفي أن تصدر من شخص أنيطت به خدمة عامة أو كلفه القانون بالتزام عام معين.

وتجدر الإشارة إلى أن الحكم ألتحكيمي لا يقبل الطعن كقاعدة، فهو لا يقبل الطعن بالاستئناف والنقض. ويكون المشرع المغربي بموقفه هذا قد خالف نهج المشرعين الفرنسي والأردني اللذين يسمحان بالطعن في أحكام المحكمين بالإستئناف، النقض، إعادة النظر، التعويض والبطلان[36].

إلا أنه استثناء من القاعدة أجاز المشرع المغربي الطعن في الحكم التحكيمي بإعادة النظر طبقا للفصل 34-327 من قانون المسطرة المدنية.

وعلى طالب الطعن بإعادة النظر تقديم الطلب داخل أجل 30 يوما من تاريخ تبليغ الحكم ألتحكيمي وأداء مبلغ الغرامة التي يمكن الحكم بها على الطرف الخاسر. وفي حالة قبول الطعن يعود الأطراف إلى الحالة التي كانوا عليها قبل صدوره، أي أنه يرجع النظر من جديد للمحكمين للبث في النزاع.

وقد أجاز المشرع المغربي الطعن بتعرض الغير الخارج عن الخصومة لإرادة ابتغاها المشرع، وكذلك الطعن بالاستئناف في أمر رئيس المحكمة الابتدائية بشأن الصيغة التنفيذية أو بالنقض في هذا الاستئناف لدى محكمة النقض.

 

الفقرة الثانية: القوة التنفيذية لحكم المحكمين.

 

 

بمجرد صدور حكم التحكيم يكتسب حجية الشيء المقضي به، أي أنه يكون قابلا للتنفيذ قوة القانون (أولا)، لكن استثناء من القاعدة اشترط المشرع المغربي لتنفيذ هذا الحكم الصيغة التنفيذية متى تعلق الأمر بوجود أحد أطراف النزاع شخصا معنويا أو كان كان التنفيذ إجباريا(ثانيا).

 

 

 

 

أولا: تنفيذ حكم المحكمين بقوة القانون.

 

 

تنص مقتضيات الفصل 26-327 من قانون المسطرة المدنية على أنه "يكتسب الحكم ألتحكيمي بمجرد صدوره حجية الشيء  المقضي به بخصوص النزاع الذي تم الفصل فيه".

أي أن المشرع اعترف للحكم ألتحكيمي بالقوة التنفيذية بقوة القانون بمجرد صدوره، وهذا خلافا لما كان قبل تعديل سنة 2007، حيث كانت الأحكام الصادرة في المادة ألتحكيمي لا تتمتع بأي قوة تنفيذية إلا بعد إضفاء الصيغة التنفيذية على الحكم.

وما يؤكد قولنا بأن الحكم ألتحكيمي يتمتع بالقوة التنفيذية ما ينص عليه المشرع في الفصل 34-327 من ق م م على أنه" لا يقبل الحكم ألتحكيمي أي طعن مع مراعاة مقتضيات الفصلين 35-327 و 36-327 بعده.

وتجب الإشارة إلى أن القواعد المتعلقة بالتنفيذ المعجل تطبق على حكم المحكمين بمجرد صدوره عن الهيئة التحكيمية، ويكتسب إضافة إلى الحجية قوة التنفيذ، إذ يمكن للمحكوم له أن يباشر التنفيذ سواء بطريقة اختيارية أو بشكل جبري، بل ولو تمت ممارسة طرق الطعن التي يسمح بها القانون، والمنصوص عليها في الفصلين 35-327 و 36-327[37].

وعلى الرغم من أن الأحكام المشمولة بالتنفيذ المعجل بقوة القانون والتي يمكن أن تعتبر الأحكام المتمتعة بقوة الشيء المقضي به من ضمنها، لا تقبل إيقاف تنفيذها طبقا لمقتضيات الفقرة الأخيرة من الفصل 147، على الرغم من ذلك فإن ثمة آلية أحدثها التعديل الجديد تفضي إلى إيقاف تنفيذ الحكم ألتحكيمي تتمثل في تقديم طلب بشأن تصحيح أو تأويل الحكم التحكيمي[38].

وإذا كانت القاعدة العامة أن أحكام المحكمين لا تحتاج إلى تذييل بالصيغة التنفيذية، وإنما تكون مشمولة بالتنفيذ المعجل، وذلك من أجل تسريع تنفيذ أحكام المحكمين. فإنه بالمقابل هناك أحكام صادرة عن هيئة التحكيم، اشترط المشرع لتنفيذها أن تذيل بالصيغة التنفيذية، والأمر يتعلق بتنفيذ الحكم التحكيمي بصورة إجبارية وكذا وجود طرف معنوي في النزاع[39]. وهذا ما سنتناوله في الفقرة الموالية.

 

ثانيا: الأحكام التي تحتاج إلى التذييل بالصيغة التنفيذية.

 

 

الأصل أن الأطراف ينفذان حكم التحكيم تلقائيا وعن طواعية، لكن إذا لم يقبل أحدهما بهذا الحكم فإنه لا يمكن اللجوء إلى التنفيذ الجبري إلا بعد منح الحكم ألتحكيمي الصيغة التنفيذية من لدن الجهة المختصة.

وهذا ما تنص عليه مقتضيات الفصل 31-327 من ق م م " لا ينفذ الحكم ألتحكيمي جبريا إلا بمقتضى أمر بتخويل الصيغة التنفيذية يصدره رئيس المحكمة الصادر الحكم في دائرتها".

ويكون أيضا منح الصيغة التنفيذية لحكم المحكمين ضروريا لتنفيذه، متى تعلق الأمر بنزاع يكون أحد طرفيه شخصا معنويا.

فالفصل 26-327 من ق م م ينص " غير أن الحكم ألتحكيمي لا يكتسب حجية الشيء المقضي به، عندما يتعلق الأمر بنزاع يكون أحد الأشخاص المعنويين الخاضعين للقانون العام طرفا فيه، إلا بناء على أمر بتخويل صيغة التنفيذ ...".

ولتنفيذ الحكم ألتحكيمي هنا لا بد من أمر من رئيس المحكمة التي صدر في دائرة نفوذها أو الرئيس الأول لمحكمة الاستئناف عند استئنافه من أحد الأطراف، أو بأمر رئيس المحكمة التجارية إذا كان النزاع متعلق بالمادة التجارية، طبقا للمادة 20 من قانون إحداث المحاكم التجارية[40].

ويقدم طلب تذييل الحكم ألتحكيمي بالصيغة التنفيذية إلى كتابة ضبط المحكمة وفق نفس شروط تقديم المقالات أو الطلبات إلى المحكمة، سواء من حيث البيانات التي يجب أن يتضمنها وكذلك أداء الرسوم القضائية الواجبة. ويتم تقديم الطلب إما من قبل أحد المحكمين أو الطرف الأكثر استعجالا خلال سبعة أيام الموالية لتاريخ صدور الحكم ألتحكيمي.

ويشترط أن يتم تقديم هذا الطلب بواسطة محامي، ويتعين إرفاق هذا الطلب بأصل الحكم ألتحكيمي الموقع عليه من طرف المحكم أو المحكمين، مصحوبا بنسخة من اتفاق التحكيم مع ترجمتها إلى اللغة العربية.

ولا يصدر الرئيس أمره بالتنفيذ إلا بعد الإطلاع على وثيقة التحكيم للتأكد من أن الحكم ألتحكيمي غير معيب ببطلان يتعلق بالنظام العام، وخاصة بخرق مقتضيات الفصل 306.

ومنح صيغة التنفيذ يترتب عنه أن الحكم ألتحكيمي أصبح قابلا للتنفيذ ولا يمكن الطعن فيه، إلا إذا تعلق الطعن بالبطلان أمام محكمة الاستئناف إذا كان الأمر خاصا بحالات بطلان الأحكام التحكيمية المنصوص عليها في الفصل 36-327.

أجاز المشرع المغربي في الفصل 33-327 من ق م م لرئيس المحكمة أو الرئيس الأول لمحكمة الاستئناف أو رئيس المحكمة التجارية، وذلك حسب نوعية النزاع أن يرفض تمتيع حكم المحكمين بالصيغة التنفيذية، لكن يجب أن يكون معللا حسب ما تنص عليه مقتضيات الفصل 33-327 من ق م م الذي يقضي " يجب أن يكون الأمر برفض الصيغة التنفيذية معللا " .

وحماية من المشرع للطرف طالب منح الصيغة التنفيذية أجاز له متى رفض رئيس المحكمة هذا الطلب أن يطعن فيه بالاستئناف أمام محكمة الاستئناف بناء على طلب الأطراف داخل أجل 15 يوما من تاريخ تبليغه. وتبث محكمة الاستئناف في هذا الاستئناف طبقا لمسطرة الاستعجال المنصوص عليها في قانون المسطرة المدنية.

وبالرغم من تضييق  القواعد المتعلقة بالنفاذ المعجل على أحكام المحكمين- فإن آثارها ولو أمر بتنفيذها أو ذيلت بالصيغة التنفيذية- لا تسري بالنسبة للغير الذي يمكن له أن يقدم تعرض الغير الخارج عن الخصومة.

وللتوفيق بين ضمان حقوق الدفاع، المتمثلة في تعدد درجات التقاضي، وبين اعتبارات السرعة في فض النزاعات التجارية، جعل المشرع المغربي خضوع الأمر الصادر عن رئيس المحكمة التجارية، بإعطاء الصيغة التنفيذية لحكم المحكمين، للاستئناف متوقف على إرادة الأطراف الذين أجازت لهم الفقرة الثانية من المادة 322 من ق م م إمكانية التخلي مقدما عن هذا الاستئناف عند تعيين المحكمين أو بعد تعيينهم وقبل صدور حكمهم.

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

  

خاتمة:

 

من خلال ما سبق تحليله نخلص إلى نقطة مهمة ممثلة في كون  المشرع حاول ما أمكن تأطير مسطرة صدور الحكم ألتحكيمي بمجموعة من الضوابط الهدف منها حماية حقوق الأطراف ومصالحهم، وذلك ظاهر من خلال الضوابط الشكلية والموضوعية السابق ذكرها، ولعل من أبرز تجليات هذه الحماية، تخويل الأطراف الطعن في الحكم ألتحكيمي، ليطرح السؤال حول 

ما هي طرق الطعن في الحكم ألتحكيمي وإجراءاتها؟

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

لائحة المراجع المعتمدة

 

 

الكتب:

 

     العامة:

ü          الطالب عبد الكريم ، الشرح العملي لقانون المسطرة المدنية، المطبعة والوراقة الوطنية مراكش، 2013.

 

   الخاصة:

ü          أزوكار عمر، التحكيم التجاري الداخلي والدولي- قراءة في التشريع والقضاء- الطبعة الأولى 1436 ه- 2015 م.

ü          حشيش  أحمد محمد ، القوة التنفيذية لحكم التحكيم، تميزها، مفترضها، عناصرها ووقت انقضاءها، دار الفكر الجامعي، الطبعة الأولى، 2001.

الرسائل:

 

ü          الجبلي طارق، مساطر التسوية التوافقية في المنازاعات التجارية ، التحكيم التجاري نموذجا ، رسالة لنيل دبلوم الماستر ، كلية الحقوق ، جامعة محمد الأول وجدة سنة 2009.                          

 

ü          داود أشجان فيصل شكري ، الطبيعة القانونية لحكم التحكيم وآثاره وطرق الطعن به "دراسة مقارنة"، رسالة لنيل دبلوم الدراسات العليا في القانون، جامعة النجاح الوطنية كلية الدراسات العليا، فلسطين 2008.

ü          عبيد أسماء ، التحكيم في التشريع المغربي، رسالة لنيل دبلوم الدراسات العليا المعمقة في القانون الخاص، جامعة محمد الخامس السويسي، سلا 2008-2009.

المجلات:

 

ü          الحسوني رضوان، الحكم التحكيمي ومشتملاته وتقنياته، مقال منشور بمجلة المحاكم المغربية عدد 117.

 

المواقع الإلكترونية:

 

ü          بوسعدان أمال وأبرغ محمد، أنواع الحكم التحكيمي الداخلي في التشريع المغربي، نشر على موقع www.dirassat.com اطلع عليه في 29/11/2016 على الساعة 20:30.

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

الفهرس:

 

 

المقدمة 2

المطلب الأول:طبيعة الحكم التحكيمي وأنواعه وشروط صحته واثاره. 4

الفقرة الأولى: طبيعة الحكم التحكيمي وأنواعه. 4

أولا: طبيعة الحكم التحكيمي. 4

ثانيا: أنواع الحكم التحكيمي. 6

الفقرة الثانية : شروط الحكم ألتحكيمي و أثاره 8

أولا : شروط الحكم ألتحكيمي : 8

ثانيا:آثار الحكم ألتحكيمي. 14

المطلب الثاني: حجية الحكم ألتحكيمي وقوته التنفيذية. 17

الفقرة الأولى : حجية الحكم ألتحكيمي. 17

الفقرة الثانية: القوة التنفيذية لحكم المحكمين. 19

أولا: تنفيذ حكم المحكمين بقوة القانون. 20

ثانيا: الأحكام التي تحتاج إلى التذييل بالصيغة التنفيذية. 21

خاتمة: 24

لائحة المراجع المعتمدة 25

الفهرس: 27

 

 



[1]- الفصل 306 من قانون المسطرة المنية

[2]- عمر أزوكار، التحكيم التجاري الداخلي والدولي- قراءة في التشريع والقضاء- الطبعة الأولى 1436 ه- 2015 م، ص80.

[3]- عبد الكريم الطالب، الشرح العملي لقانون المسطرة المدنية، المطبعة والوراقة الوطنية مراكش، 2013، ص328.

[4] -  أحمد محمد حشيش، القوة التنفيذية لحكم التحكيم تميزها مفترضها عناصرها ووقت انقضاءها، دار الفكر الجامعي، الطبعة الأولى، 2001، ص25.

[5]- عبد الكريم الطالب، مرجع سابق، ص329.

[6]- أشجان فيصل شكري داود، الطبيعة القانونية لحكم التحكيم وآثاره وطرق الطعن به "دراسة مقارنة"، رسالة لنيل دبلوم الدراسات العليا في القانون، جامعة النجاح الوطنية كلية الدراسات العليا، فلسطين 2008، ص 17-19.

[7]- أشجان فيصل شكري داود،المرجع نفسه، ص44.

[8]-  عبد الكريم الطالب، مرجع سابق، ص330.

[9]- أسماء عبيد، التحكيم في التشريع المغربي، رسالة لنيل دبلوم الدراسات العليا المعمقة في القانون الخاص، جامعة محمد الخامس السويسي، سلا 2008-2009، ص50.

[10]- آمال بوسعدان ومحمد ابرغ، أنواع الحكم التحكيمي الداخلي في التشريع المغربي، نشر على موقع www.dirassat.com  اطلع عليه في 29/11/2016 على الساعة 20:30.

[11]- آمال بوسعدان ومحمد ابرغ، المرجع نفسه.

-[12]  طارق الجبلي ،مساطر التسوية التوافقية في المنازاعات التجارية ، التحكيم التجاري نموذجا ، رسالة لنيل دبلوم الماستر ، كلية الحقوق ، جامعة محمد الأول وجدة سنة 2009 ص 77.

 

[13]   الفصل327 - 4   من قانون المسطرة المدنية.

[14]  الفصل   327-4 من ق م م.

[15]  طارق الجبلي.م،س ص78.

[16]  رضوان الحسوسي، الحكم التحكيمي ومشتملاته وتقنياته، مقال منشور بمجلة المحاكم المغربية عدد 117, ص 108 وما بعدها.

[17]  طارق الجبلي. م.س.ص78

[18]  الفصل 327-31 من ق م م.

[19]  طارق الجبلي، م.س. ص 79.

[20]  الفصل 327 -25 من ق م م.

[21]  طارق الجبلي، م.س. ص79

[22]   طارق الجبلي، المرجع نفسه، ص 80.

[23]  طارق الجبلي. المرجع نفسه، ص 80.

[24]  الفصل 327- 23 من ق م م .

[25]  طارق الجبلي، م س، ص 82.

[26]  طارق الجبلي. المرجع نفسه. ص. 82.

[27]  قرار صادر عن المجلس الأعلى بتاريخ 07/07/1992 في الملف المدني رقم 1277/88 قرار عدد 1766 منشور بمجلة القضاء والقانون،عدد 144 ص 123.

[28]  قرار صادر عن المحكمة الاستئناف بالقنيطرة، ملف مدني عدد 3169/93 الصادر بتاريخ 10/10/1995. والمنشور بمجلة القصر العدد الثاني. ص105.

[29]  الفصل 327-20 من ق م م.

[30]  قرار الرئيس الأول لمحكمة الاستئناف بالدار البيضاء التجارية رقم: 4099/2005 بتاريخ: 14/11/2005 رقم الملف 3886/2005/1 .

[31]  قرار محكمة الاستئناف التجارية بالدار البيضاء، رقم: 4502/2010 بتاريخ: 19/10/2010 رقم: 3880/2010/4 .

[32]  أسماء عبيد، م س، ص 53 .

[33]  عبد الكريم الطالب، م س، ص 334.

[34]  عبد الكريم الطالب،المرجع نفسه، ص 335.

[35]  ينص الفصل 419 من ق ل ع " الورقة الرسمية حجة قاطعة، حتى على الغير في الوقائع والإتفاقيات التي يشهد الموظف العمومي الذي حررها بحصولها في محضره وذلك إلى أن يطعن فيها بالزور ... ."

[36] عبد الكريم الطالب، م س، ص337.

[37]  عبد الكريم الطالب، المرجع نفسه، ص 338 وما بعدها

[38]  ينص الفصل 30-327 من ق م م على أنه" يوقف طلب التصحيح أو التأويل تنفيذ الحكم التحكيمي واجال تقديمه إلى حين تبليغ الحكم التصحيحي أو التأويلي "

[39]  عبد السلام زوير، التحكيم التجاري في القانون المغربي، مجلة القانون المغربي، تاريخ الإطلاع 02/12/2016 على 13:14.

[40]  تنص المادة 20 من قانون إحداث المحاكم التجارية " يمارس رئيس المحكمة التجارية الإختصاصات المسندة إلى رئيس المحكمة الابتدائية بموجب قانون المسطرة المدنية، وكذا الإختصاصات المخولة له في المادة التجارية".

المدونة القانونية الشاملة
المدونة القانونية الشاملة