أقسام الوصول السريع (مربع البحث)

آثار العقد من حيث الأشخاص /نسبية اثار العقد/ بالنسبة للمتعاقدين والخلف العام والخاص والدائنين

من إعداد: ذ. عبد الخالق الحجوجي خريج ماستر المهن القانونية والقضائية.






إن انعقاد العقد صحيحا مستوفيا لكل أركانه وشروطه، يجعل منه شريعة في مواجهة طرفيه؛ حيث تنصرف إليهما آثاره دون أن تتعداهما - كقاعدة عامة - إلى الغير، وهذا ما يعبر عنه بمبدأ نسبية آثار العقد.

يقصد إذن بمبدأ نسبية آثار العقد من جهة، اقتصار آثار العقد على طرفيه  وعدم  انصرافها إلى الغير إلا في حالات معينة وضمن حدود محددة ) نسبية آثار العقد من حيث الأشخاص (، ومن جهة ثانية عدم إمكانية إلزام الأطراف المتعاقدة إلا بما تضمنه العقد أو تفرضه طبيعة المعاملة .وبعبارة أخرى، فإن القوة الملزمة للعقد ليس لها أثر إلا على المتعاقدين ومن في حكمهم، وليس لها أثر  إلا على ما تضمنه العقد، وما تستلزمه طبيعة التعامل.

  ولما كان الأمر كذلك، فإن تناول موضوع نسبية آثار العقد له أهمية بالغة، تتجلى بالأساس في تحديد مدى نسبية آثار العقد سواء بالنسبة للأشخاص أو الموضوع؛ إذ إن المبدأ هو "العقد شريعة  المتعاقدين"،  فلا يستطيع أحدهما بحسب الأصل أن ينقضه أو يعدل في أحكامه، ما لم يسمح له العقد نفسه بذلك أو يسمح  له به القانون، كما لا يملك أن يصرف آثاره إلى غيره.

لكن تطور المعاملات، وما يفرضه ذلك من ضرورة الحفاظ على استقرارها، أفرز مظاهر جديدة لتصرفات عقدية تعبر عن أنها خروج عن ما كرسه هذا المبدأ ) العقد شريعة المتعاقدين ( من أحكام.

   المبحث الاول: اثار العقد بالنسبة للمتعاقدين

إذا انعقد العقد صحيحا ترتبت آثاره التي أرادها عاقديه؛ أي أن هذه الآثار تنسحب إلى العاقدين، ولا تمتد إلى غيرهما، وهذا ما يعبر عنه بنسبية آثار العقد من حيث الأشخاص.

لكن إذا كان المبدأ هو اقتصار آثار العقد على المتعاقدين، فإنه ولاعتبارات ترجع إلى العدالة واستقرار التعامل تنصرف كذلك إلى الغير.

يقصد بالمتعاقدين تبعا للمفهوم الضيق من كان طرفا في العقد سواء بصفة شخصية أو بصفته نائبا كالوكيل أو الولي أو المقدم أو الوصي، والذين يمثلون الموكل أو القاصر أو ناقص الأهلية.وهؤلاء هم الذين يعتبرون طرفا ي العقد و ليس النائب الذي يمثلهم مادام أن النيابة تم باسم الأصيل ولحسابه. 

لذلك فإن الحديث عن آثار العقد بالنسبة إلى المتعاقدين لا يعني أن هذه الآثار تنصرف فقط إلى من كان طرفا في العقد وعبر عن إرادته، وإنما كذلك من يمثله هذا الطرف في التعاقد.

 فالعقد الذي يبرمه الشخص كما ينصرف آثره إليه، ينصرف كذلك إلى خلفه العام ) المطلب الأول(، وقد ينصرف إلى خلفه الخاص  ) المطلب الثاني(، كما قد يمتد إلى دائينه ( المطلب الثالث).

 المبحث الثاني  : الخلف العام

يعرف الخلف العام بأنه كل من يخلف سلفه في كل ذمته أو في كسر حسابي محدد منها  . وطبقا للفصل 229 من ق.ل.ع  ، فإن المبدأ أو القاعدة هي انصراف آثر العقد إلى الخلف العام ) الفقرة الأولى(، والاستثناء هو عدم انصرافه إليه في حالات محددة ) الفقرة الثانية (.

الفقرة الأولى: المبدأ : انصراف آثر العقد إلى الخلف العام

إن القاعدة المقررة في القانون المغربي بناء على الفصل 229 من ق.ل.ع، هي أن آثر العقد ينسحب إلى المتعاقدين والخلف العام دون المساس بالقواعد المتعلقة بالميراث.

  ومفاد ذلك أن الحقوق التي ينشئها العقد تنتقل إلى الوارث بعد موت الموروث المتعاقد، أما الالتزامات فتقرر في شأنها الشريعة الإسلامية أنه " لا تركة إلا بعد سداد الدين"؛ أي أن الالتزام يبقى في التركة، ولا تنتقل هذه الأخيرة إلى ذمة الوارث حتى ينقضي هذا الالتزام وتكون التركة طاهرة من أي التزام . 

وقد كرس المشرع المغربي ذات الحكم في الفقرة الأولى من الفصل 229 من ق.ل.ع، ونص على أنه في حالة قبول الورثة لتركة مورثهم لا يلتزمون إلا في حدود أموال التركة وبنسبة مناب كل واحد منهم. وهو ما أكده المجلس الأعلى   كذلك في أحد قرارته ؛ حيث قرر:

 " إن ديون الهالك تخرج من تركته، وإن وارثيه ليسوا بمسؤولين عن ديونهم مادام  لم يثبت أن الهالك خلف متروكا، وأن الورثة حازوه قبل قضاء الديون المتخلفة في ذمة الهالك. ومن جهة أخرى أن مسؤوليتهم في ذلك فردية تكون على نسبة ما حازه  كل منهم في نصيبه، ولهذا فإن محكمة الموضوع قد خرقت هذه المبادئ عندما قضت على الورثة بالأداء على سبيل التضامن بينهم بدون أن تقوم بتصفية التركة، إذ تختبر هل ترك الهالك متروكا يفي بقضاء ديونه ،وهل حاز الورثة منه شيئا وما مقدار ما حازه كل واحد منهم من ذلك لتجري أحكام الشريعة الإسلامية على مقتضاها" . 

وعليه فإن آثر العقد ينصرف إلى الخلف العام، بشكل يجعله في منزلة العاقد، وذلك في حدود ما أصابه من الحقوق في التركة ، ويسري في حقه ما كان يسري في حق السلف بخصوص العقد.

الفقرة الثانية : الاستثناء عدم انصراف آثر العقد إلى الخلف العام

أشار الفصل 229 من ق. ل. ع إلى حالات ثلاث ، تشكل في مجملها استثناءات من مبدأ سريان آثار العقد على الخلف العام ، نوجزها في النقاط التالية:

أولا: حالة إرادة المتعاقدين

طبقا لمبدأ العقد شريعة المتعاقدين، فإنه إذا تضمن العقد أن آثرا من آثاره لا ينتقل من السلف العاقد إلى خلفه فلا ينتقل تبعا لذلك،  كلما صح الشر ط لعدم مخالفته للنظام العام أو الآداب. ومثال  هذه الحالة أن يؤجر شخص لآخر منزلا لمدة معينة، ويتفقان على إنهاء الإجارة بموت المستأجر إذا وقع قبل فوات هذه المدة.


ثانيا : طبيعة الإلتزام 

إذا اقتضت طبيعة التعامل عدم انتقال آثاره إلى الخلف العام، فإن هذه الآثار لا تنسحب إلى هذا الأخير سواء كان المانع من الانتقال قانونيا أو ماديا.

فلو حصل شخص على حق انتفاع بموجب عقد، فإن هذا الحق لا ينتقل بعد موته إلى ورثته، اعتبارا لطبيعته القانونية التي تقتضي بأن ينقضي بموت صاحبه.

وأيضا كل عقد أبرم وكانت فيه شخصية المتعاقد محل اعتبار كعقد التطبيب مثلا ، فإن ما ينشأ عنه من آثار لا تنتقل إلى الورثة نظرا لطبيعة العقد المادية.

ثالثا: نص القانون 

قد يتضمن القانون نصا صريحا يقضي بعدم انتقال آثار العقد إلى الخلف، وبالتالي يصبح المنع بقوة القانون ولا يكون للأطراف الاتفاق على مخالفته وإلا كان الاتفاق مخالفا للنظام العام.

ومن ذلك ما نص عليه الفصل 929 من ق.ل.ع في فقرته الخامسة، بأن الوكالة تنتهي بقوة القانون بموت الموكل أو الوكيل، وبالتالي فإن آثار هذا العقد لا يمكن أن تنتقل إلى الخلف.

وفي نهاية مطاف هذا المطلب نشير إلى أن الخلف العام قد يتحول في بعض الحالات إلى الغير، مثل حالة الوصية لأحد الورثة ، فهذه الوصية لا تسري إزاء بقية الورثة لأنهم يعتبرون من الغير في هذه الحالة، فحقهم في التركة مستقل في العلاقة فيما بينهم عن إرادة المورث وفقا للشريعة الإسلامية. وكذا مثل حالة الوصية بأكثر من الثلث التي لا تنفذ إزاء الورثة فيما يتجاوز الثلث؛ إذ يعتبرون غيرا في علاقتهم مع الموصى له. 

المبحث الثالث : الخلف الخاص 

يقصد بالخلف الخاص من يتلقى من سلفه حقا معينا كان قائما في ذمة هذا السلف، سواء كان الحق عينيا أم شخصيا. فالخلفية هنا خلفية خاصة تثبت على حق محدد وليس على عنصر مشاع في الذمة المالية. 

وسيرا على نهج المشرع الفرنسي فالمشرع المغربي لم ينظم العلاقة بين السلف والخلف الخاص بشكل صريح  خلافا لجل التشريعات العربية . وبحكم هذا الفراغ التشريعي يمكن بيان آثر العقد بالنسبة للخلف الخاص على ضوء المبادئ القانونية العامة، وما اهتدت إليه التشريعات المقارنة.

وانطلاقا من تلك المصادر يمكن الوقوف عند مبدأين نبرز على ضوءهما ضوابط انتقال الحقوق والالتزامات من السلف إلى الخلف الخاص، نوردهما كالآتي :

الفقرة الأولى : لا يمكن للشخص أن ينقل لغيره أكثر مما يملك.

يقضي هذا المبدأ بانتقال الشيء أو الحق إلى الخلف الخاص وفقا للحالة التي كان عليها في ذمة سلفه، فالحقوق والالتزامات التي يحصل فيها الاستخلاف الخاص يلزم أن تكون قد تقررت للسلف بمقتضى العقد.

وجلي أن هذا المبدأ لا يعدو أن يكون إلا تكريسا لمبدأ آخر معروف هو: " فاقد الشيء لا يعطيه" ؛حيث لا يستطيع السلف أن ينقل لخلفه الخاص أكثر مما يملك من حقوق وما عليه من التزامات تتصل بالشيء محل الاستخلاف .

  وعليه، فانتقال الشيء محل الاستخلاف إلى الخلف الخاص يستتبع انتقال كافة الالتزامات والحقوق المتصلة به شريطة أن تكون من مستلزماته. وتعد الحقوق من مستلزمات الشيء إذا كانت تابعة ومكملة له، ونمثل لذلك بالحقوق التي يكون الغرض منها درء الضرر عن الشيء كحالة ضمان العيوب الخفية؛ فالبائع الذي باع شيئا معينا إلى مشتر قام ببيع نفس الشيء إلى مشتر ثاني، فإنه من حق هذا الأخير أن يرجع على البائع الأول إذا ظهر في المبيع عيب خفي . وتعتبر الالتزامات أيضا من مستلزمات الشيء إذا كانت محددة له ومقيدة لاستعمالاته، وكمثال عن ذلك تلك الالتزامات التي تقيد من استعمال حق الملكية؛ كالتزام بائع المنزل، محل الاستخلاف بعدم استعماله كمقهى أو متجر، و التزام مالك الأرض بمراعاة قيود معينة عند البناء في أرضه، فعند بيع المنزل أو الأرض ينتقل نفس الالتزام  إلى المشتري.

وغني عن التذكير أن هذا المبدأ المقرر سواء على مستوى الحقوق أو الالتزامات يعد تكريسا للقاعدة الفقهية المعروفة ب: "الفرع يتبع الأصل"؛ أي متى كانت الحقوق والالتزامات من توابع الشيء المستخلف انتقلت معه إلى الخلف الخاص.

الفقرة الثانية: يجب أن يكون الخلف الخاص عالما بما أنشأه العقد الذي أبرمه سلفه.

في هذا الإطار درج الفقهاء  على التمييز بين الحقوق والالتزامات من حيث علم الخلف الخاص بها، فعلى مستوى الحقوق لا يلزم أن يتوفر عند تلقي الخلف الخاص للشيء محل الاستخلاف علمه الحقيقي  بها، وإنما يكتفي بمجرد العلم الافتراضي بها، باعتبارها عناصر إيجابية من شأنها الزيادة من ما تحتويه ذمته المالية من أصول.

وإذا كان المطلوب بالنسبة للحقوق هو مجرد العلم الافتراضي، فإن الالتزامات وبالعكس من ذلك يجب العلم بها علميا يقينيا؛ أي ليس فقط العلم بمعناه البسيط، باعتبارها قيودا من شأنها التأثير بالزيادة في خصوم ذمته؛ إذ لما كانت هذه الالتزامات قيودا على حق الخلف الخاص كان من السائغ اشتراط علم ذلك الخلف بوجود هذه القيود.  فمثلا المشتري لعقار كان بائعه المالك قد التزم بعدم تحويله إلى فندق بمقتضى عقد سابق، لا يفترض تقييده بهذا الالتزام إلا إذا كان عالما به وقت شرائه له. 

المبحث الرابع : الدائنين 

إن آثار العقد الذي يجريه الشخص تكون سارية في وجه دائنه؛ إذ إن هذا العقد ينعكس على هذا الأخير سلبا وإيجابا حسب ما إذا كان من شأنه الانتقاص أو الزيادة في الذمة المالية للمدين .  

هذا وإذا كانت التشريعات المقارنة  ، قد اعتبرت الدائن من الخلف العام عملا بالقاعدة التقليدية التي تعتبر الدائن من الخلف ذي الصفة العامة اعتبارا إلى أن له حق ارتهان أو ضمان عام على ذمة المدين بمجموعها ، فإن التقنين المدني المغربي لم يضفي هذا الوصف على الدائن، وإنما اكتفى في الفصل 1241 من ق.ل.ع بتقرير حق الضمان العام للدائن على أموال مدينه،  ثم التدخل بعدة وسائل قانونية لحماية الدائن من التصرفات القانونية الضارة به والتي تصدر من المدين بقصد الإضرار بدائنه، وهي الحالة التي يمكن اعتباره  فيها من الغير. ومن هذه الوسائل نذكر دعوى الصورية ودعوى توقيع الحجز التحفظي ثم حق الحبس. وهي الوسائل التي سنتناولها تباعا في الفقرات الموالية. 

الفقرة الأولى : دعوى الصورية

نص المشرع المغربي على هذه المكنة القانونية في الفصل 22 من ق.ل.ع . فدعوى الصورية تخول للدائن حق الطعن في العقد الذي أبرمه مدينه بشكل صوري للإضرار بدائنيه فقط بنقص الذمة المالية له.

فالدائن بواسطة هذه الدعوى يعمل على الكشف عن الحقيقة التي أراد المدين إخفاءها من أجل إعمالها في حقه دون التصوير الكاذب الذي ركن إليه . و يسعى إلى إعادة الأموال التي خصمت من الذمة المالية للمدين كأثر للعقد الصوري الذي أبرمه لتظل داخلة في ضمانه العام.

الفقرة الثانية : دعوى توقيع الحجز التحفظي

نص القانون المغربي على هذه الدعوى في الفصل 138 من ق.ل.ع  ونظم إجراءاتها في الفرع الأول من الباب الرابع من القسم السادس من قانون المسطرة المدنية. فمن خلال المقتضيات الواردة في هذه النصوص القانونية يتضح أن للدائن إقامة دعوى الحجز التحفظي، وذلك في سبيل منع المدين من التصرف في الأموال المراد الحجز عليها ، حتى و لو كان دين الدائن مقرونا بأجل.

غير أن إقامة هذه  الدعوى يبقى رهين بضرورة وجود مبررات تجعل الدائن  يخشى إعسار المدين أو فراره.

الفقرة الثالثة : حق الحبس

يعرف الفصل 291 من ق.ل.ع حق الحبس بأنه "حق الحبس هو حق حيازة الشيء المملوك للمدين وعدم التخلي عنه إلا بعد وفاء ما هو مستحق للدائن. ولا يمكن أن يباشر إلا في الأحوال الخاصة التي يقررها القانون".

فبالرجوع إلى هذا التعريف يمكن القول بأن للدائن حق حبس أموال المدين إذا كانت بحوزته إلى أن يتمكن من استيفاء دينه. وبذلك يكون هذا الحق تطبيقا لما جاء في الفصل 235 من ق.ل.ع  الذي ينص على مبدأ الدفع بعدم التنفيذ المخول لكلا المتعاقدين في العقود الملزمة للجانبين في حالة عدم تنفيذ المتعاقد الأخر لالتزامه المقابل.

المدونة القانونية الشاملة
المدونة القانونية الشاملة