من اعداد: ذ. عبد الخالق الحجوجي خريج ماستر المهن القانونية والقضائية.
المسؤولية العقدية
إن قاعدة العقد شريعة المتعاقدين تفرض على طرفي العقد تنفيذه كل حسب ما التزم به، وعبر عنه سلطان إرادته، وإلا ترتب عن ذلك جزاء حدده المشرع في مساءلته مسؤولية عقدية.
فالمسؤولية العقدية إذن هي الجزاء الذي يترتب على عدم تنفيذ المتعاقد لما التزم به في العقد؛ حيث يكون للمتعاقد الآخر مطالبته بتنفيذ التزامه قضاء وترتيب المسؤولية عليه كلما توافرت أركانها الثلاثة المتمثلة في الخطأ والضرر والعلاقة السببية، وهي الأركان التي سنتناولها تباعا في المطالب الموالية.
الخطأ العقدي:
يقصد بالخطأ العقدي عدم تنفيذ المدين لالتزامه الناشئ عن العقد أو تأخره في تنفيذه. وهذا ما جاء في مضمون الفصل 263 من ق.ل.ع ، الذي يعتبر أن المدين إذا لم يقم بتنفيذ الالتزام أصلا، أو تأخر في تنفيذه، فإنه في كلتا الحالتين يرتكب خطأ عقديا يستوجب معه مسؤوليته ولو لم يكن التنفيذ بسوء نية؛ أي أن الخطأ يقوم سواء كان عدم التنفيذ عمدا أو بإهمال.
ولمعرفة ما إذا كان المدين منفذا أو غير منفذ لالتزاماته يرجع إلى تقسيم الالتزامات من حيث هدفها ، فإذا كنا بصدد التزام بتحقيق نتيجة فإن التنفيذ لا يتم إلا بتحقق تلك النتيجة، وإذا تخلفت وقع المدين في خطأ عدم التنفيذ، أما إذا كنا بصدد الالتزام ببذل عناية، فيعد المدين منفذا لالتزامه متى بذل في ذلك عناية الشخص المعتاد، سواء تحققت النتيجة المرجوة أو لم تتحقق.
وآيا كان الأمر فإن الهدف من تنظيم قواعد المسؤولية العقدية، وخاصة تحديد ما يعتبر في إطارها خطا عقديا هو الالتزام بما ورد في العقد وعدم الخروج عنه تطبيقا لمبدأ نسبية آثار العقد وضمانا لقوته الملزمة.
المطلب الثاني: الضرر
لا يكفي لقيام المسؤولية العقدية توافر الخطأ العقدي من جانب المدين، وإنما لابد أن يلحق هذا الخطأ ضررا بالدائن.
وعليه فالضرر يعد الركن الثاني من المسؤولية العقدية، ويقصد به حسب الفصل 264 من ق.ل.ع: " الضرر هو ما لحق الدائن من خسارة وما فاته من كسب متى كانا ناتجين مباشرة عن عدم الوفاء بالالتزام ..."، ولا يقتصر التعويض في المسؤولية العقدية على الضرر المادي، وهو ما فات الدائن من كسب وما لحقه من خسارة ، بل يشمل أيضا الضرر المعنوي وهو ما يؤدي الشخص من جوانب معنوية كالكرامة والشرف مثلا، وإن كان الغالب في إطار المسؤولية العقدية أن الضرر يكون في غالب الأحيان ماديا يصيب الدائن في ذمته المالية.
كما أن الضرر قد يكون ضررا حالا ، وقد يكون محقق الوقوع في المستقبل ، وقد يكون محتمل الوقوع ) إما أن يقع أو لا يقع ( ،ولا يعوض عنه إلا في حالة تحققه.
وإذا لم يترتب على خطأ المدين ضرر للدائن على هذه الكيفية فلا تعويض، كما في حالة تأخر مقاول في تسليم مبنى كان سيؤجر كمدرسة، طالما تم التسليم قبل الموعد المحدد لبدء سريان الإيجار .ومعلوم أن تقدير التعويض يدخل ضمن المسائل الموضوعية التي ينظر فيها القاضي في إطار ما له من سلطة تقديرية وفقا لظروف كل حالة.
المطلب الثالث: العلاقة السببية.
يشترط لقيام المسؤولية العقدية أن يكون الخطأ هو السبب المباشر لتحقق الضرر؛ أي قيام رابطة سببية بينهما، وهذا ما أكدته المادة 264 من ق.ل.ع بقولها:"...متى كانا ناتجين مباشرة عن عدم الوفاء بالالتزام..." وقد يحدث أن يتحقق الخطأ والضرر ولا تقوم المسؤولية العقدية، باعتبار أن خطأ الدائن لم يكن سببا لتحقيق الضرر الذي أصاب المدين .
وإذا كان الأصل أن يكون الضرر ناتجا عن سبب واحد، فإنه قد ينتج أحيانا عن أكثر من سبب ، كما في الحالة الآتي يكون فيها عدم التنفيذ ناتجا عن فعل المدين وتدخل الغير، فتكون مسؤولية المدين في هذا الجانب عقدية، بينما تكون مسؤولية الغير تقصيرية، أما فيما يخص ما إذا كان عدم التنفيذ ناتجا بفعل قوة قاهرة فإن التزام المدين يسقط ولا يحق للدائن مساءلته، مادام قد أقام الدليل على وجود القوة القاهرة.والمبدأ أن علاقة السببية بين الخطأ والضرر قائمة، ويقع على المدين عبء نفيها في حالة تمسكه بعدم وجودها.